قصيدة كتبت قبل أشهر قليلة من استشهاد البوعزيزي رحمه
الله وشاء القدر أن تتحق الرؤيا و يصدق التأويل و يكون محمد الغلام الذي يشق حجاب
الظلمة
إلى روح محمد البوعزيزي
رؤيا في النصف الفارغ من كأس الغيب/
حَقْلٌ
وَ تَشمَخُ فِيهِ بَعضُ سَنَابلٍ يَبسَتْ
عُيونُ صَبيَّةٍ
مِلْءَ المَدَى تَبكِي
غُلامٌ طَاعِنٌ فِي الصَّبْرِ يَلْتحِفُ الدُّعَاءْ
جُبٌّ
عَلَى أَوْجاعِهِ خَتَمَتْ خُيُوطُ العَنْكبُوتِ
و أَعْرضَتِ
المَسَالكُ عَنْ مُلُوحَتِهِ
غُرَابٌ أَسوَدُ الأحْلامِ
يَزْرعُ فِي عُيُونِ الجُبِّ أَعْشَاشًا
يَبِيضُ ..فَتفْقسُ الأحْقادُ أَغْرِبَةً
تَضِيقُ الأرْضُ عَنهَا و السَّمَاءْ
جُبٌّ
و شَعبٌ كَاملٌ فِي الجُبِّ
مَا مَلَّ انتِظَارَ الدَّلْوِ
مَرَّتْ أَلفُ قَافِلةٍ و لَمْ تُلْقِ الدِّلاءْ
و الجُوعُ قَدَّ قَمِيصَ نَخوَتهِ
لا !!!
الجُوعُ مَا قَدَّ القَميصَ
و إِنَّمَا ما قَدَّهُ غَيرُ الجِياعِ الخَانِعينَ
و فِتْيَةٍ عَنْ أَلفِ ثَأرٍ قَاعدِينَ
قَدِ استَطَابُوا النَّومَ فِي ظِلِّ الأمَانِي و
الغِنَاءْ
و قَطِيعُ أَبقَارٍ عِجَافٍ
إِثْرَهَا أَلْفٌ عِجَافٌ..
خَانَهَا عُشْبٌ و مَاءْ
تَخمَتْ ذِئَابُ الحَيِّ مِنْ لَحمِ القَطيعِ
و لَمْ يُعَلَّقْ فِي الرِّمَاحِ قَميصُ حَقٍّ أَو
رِيَاءْ
طَلَلٌ
و فَوْقهُ شَاعرٌ
يَجْتَرُّ نَكْبَةَ قَومِهِ مُتَغَنِّيًا بِالخَيْلِ
و البَيدَاءْ
و شُوَيْعِرٌ يَهْذِي
بِنَهدٍ نَافرٍ/طَرْفٍ كَحِيلٍ/غُصْنِ بَانٍ يَنْثنِي
غَنَجًا..
و شَعْرُورٌ
بِأضْغاثِ الحَدَاثةِ بَاتَ يَهذِي
يُعَزِّي بَعْضهُ بَعْضًا بِجَهلِ السَّامِعينَ
و نَكبَةِ الشُّعرَاءِ في الزَّمَنِ الخَوَاءْ
صَنَمٌ
و أَعْنَاقٌ تُنَكَّسُ دُونَهُ
يَتَصَارَعُ الإذْعَانُ فِيهَا و الإبَاءْ
قَبْرٌ
و مِشْنقَةٌ تُغَازِلُ كُلَّ عُنْقٍ
قَدْ تُفكِّرُ في مُعَانَقةِ السَّمَاءْ
لَيْلٌ
يُحَاصِرُ أُفْقَ مِئذَنةٍ
و قَدْ بُحَّتْ حَنَاجِرُهَا و ما انقَطَعَ
النِّدَاءْ
/تأويل
في النصف الملآن
سَيَكونُ لَيْلٌ دَامِسٌ في أَرضِ يَعْرُبَ أَلْفَ
ذُلٍّ أو يَزِيدْ
سَيكُونُ لَيْلا أَسوَدَ الأقْمَارِ
يَعْبثُ في رُؤَى الجَوْعَى
فَيُطعِمَهمْ ثِمَارَ العِزَّةِ القَعْسَاءِ
يَسقِيهمْ خُمُورَ الفَخْرِ بالأجْدادِ و المَجْدِ
التَّلِيدْ
وتَتُوهُ أَنْجُمُهُ..
و لا رَاعٍ لِيُورِدَهَا مَخابِئَهَا و يُخْلِي
الأفْقَ لِلفَجرِ الجَدِيدْ
يَتَنافَسُ الفُقهَاءُ في جَلْدِ السُّكَارَى
- من نَبيذِ العِزَّةِ القَعسَاءِ و المَجدِ
التَّليدِ - عَلَى
المَنَابِرِ بالمَوَاعظِ في التَّصبُّرِ
و التَّعفُّفِ و القَناعَةِ بالمَقادِرِ
في جَزاءِ الصَّابِرينَ
و جَنَّةِ المُستَضعفِينَ المُعدَمينَ
و يُحْكِمُ الدِّينارُ تَكمِيمَ اللّحَى
عنْ وَصفِ ما يَلقَى المُجاهِدُ و الشَّهِيدْ
و تُدَبَّجُ الخُطَبُ الطَّويلَةُ
عن وَلِيِّ الأمْرِ
عنْ حُكمِ الكِلابِ الخَارجِينَ
و ما أُعِدَّ لَهمْ مِنَ الخِزيِ
المُحتَّمِ و الوَعِيدْ
الخَوفُ يَغْدُو سَقفَ أَفئِدةٍ
فَيحْجِب عن مَرَاياهَا شُعَاعَ الحَقِّ يَلمَعُ في
البَعِيدْ
***
و يَوْمًا..
سَيُشرِقُ ذَاكَ الغُلامُ عَلَى ظُلمَةِ الجُبِّ
يَغفُو على حَافَّةِ المَوتِ إِلا قَليلاً
يُدَثِّرُهٌ الحُزنُ و القَهرُ
يَكْحلُ بالدَّمعِ جَفْنَيهِ
حَتَّى إِذَا مِنْ أَسىً بَلغَ الفِطْمَ
قَامَ يُعَفِّرُ بالطِّينِ وَجْهَ الزَّمانِ
الظَّلومِ
و يَخْضِبُ بالدَّمِّ صَدْرَ العِدَا
و يَحثُو التُّرابَ على
أَرْؤسِ العَاكِفينَ على الذُّلِ
يَهدمُ أَصنَامَ خَوفٍ بَنوهَا
فَصَارتْ لأَروَاحهمْ مَعبَدَا
و يُوقدُ في أَنفسِ الخَائِفينَ العَزِيمةَ
يَضرِبُ لِلحقِّ في رُوحِهمْ مَوعِدَا
يَشقُّ حِجابَ اللَّيالِي
و يَقرعُ نَاقُوسَ ثَأرٍ قَديمٍ
تَردُّ عَليهِ أُلُوفُ نَواقِيسهمْ بِالصَّدَى
سَيَقْطِفُ من أَعينِ الشَّمسِ فَجرًا
لِيسرِجَ لِلمتعَبينَ الجِهَاتِ
و يُسكبَ للظَّامِئينَ المَدَى
سَيخلَعُ قُضبَانَ كُلِّ الزَنازِنِ
مِنهَا يَمدُّ جَسورًا تَردُّ النِهايَةَ للمُبتَدَا
رياض بوحجيلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق